هي ربّما المرّة الثالثة التي نحاول فيها كتابة هذه النّشرة، لندرك في كلّ مرّة أنّنا في سباق مع أحداث جذريّة وغير متوقّعة، تتجاوزنا محاوَلةً بعد أخرى. نقف في منطقة تتغيّر بسرعة هائلة كما يتغيّر العالم بأسره.

في فلسطين، دمّر الاحتلال غزّة تدميرًا شاملًا ويكاد يلغي وجودها. قتلت إسرائيل أكثر من 44 ألف فلسطينيّ مدني، من بينهم 30 ألف امرأة وطفل (علمًا أن بعض التّقديرات تشير إلى رقم إجماليّ يصل إلى 200 ألف). تتجاوز الكارثة في غزّة قدرة العقل على استيعابها، فيما يتواصل التّطهير العرقيّ دون هوادة.

في لبنان دمّر الجيش الإسرائيلي قرًى بأكملها، إمّا عبر القصف الجوّي أو بواسطة الجرّافات والمتفجّرات، وقَتل أكثر من أربعة آلالف مواطن ويواصل تدمير قرى الجنوب رغم وقف إطلاق النّار.

في الولايات المتّحدة، انتُخب دونالد ترامب رئيسًا على أن يتسلّم منصبه في العشرين من كانون الثاني من العام 2025، ممّا قد يؤدّي إلى تحوّل كبير في السّياسات الدّوليّة.

في خضمّ كلّ هذا، لا بدّ لقلوبنا من أن تتسّع على مدى الألم الشّاسع الذي في السّودان، حيث تمّ الإعلان مؤخّرًا عن أسوأ كارثة إنسانيّة في التّاريخ المسَجَّل والتي تطال أكثر من 30 مليون إنسان!

أخيرًا وربّما ليس آخرًا وبين ليلة وضحاها، سقطت الديكتاتوريّة المتربّعة على العرش في سوريا منذ العام 1971، تاركة خلفها بلدًا نازفًا ومنهكًا ومدمّرًا على نطاق واسع. فُتحت السّجون المكتظّة بسجنائها لتكشف في الأيام الأخيرة عن رعب يصعق كلّ من يملك ذرّة من الإنسانيّة. رغم الألم والخوف، غزَت الفرحة التي لم يسبق لها مثيل الشّوارع السّوريّة ومنصّات التّواصل الاجتماعيّ.

سيترك كلّ ما سبق بطبيعة الحال تأثيرًا هائلًا على حياتنا، على أعمالنا، وعلى مساهمة “أفلامٌنا” المتواضعة في دعم قطاع السّينما العربيّة المستقلّة وصنّاع الأفلام وإيصال أفلامهم إلى الجمهور.
رغم أنّنا ندخل نهاية هذا العام مثكولين، لكنّنا أكثر حرّية من ذي قبل. نرى فرصة لا بدّ من التقاطها ورعايتها لبناء مستقبل تنتصر فيه العدالة والكرامة الإنسانيّة.

نرى في عيون النّاس من حولنا، قلقًا وغضبًا كما نرى فيها فرحة عارمة.
إنّنا نتمسّك بالأمل.

نأمل بيوم يعترف فيه العالم أجمع بأنّ الإبادة الجماعيّة والديكتاتوريّات والاستعمار، ليست وجهات نظر، بل هي وقائع دامغة.
نتطلّع إلى عالم عادل. نتطلّع إلى يوم تعيش فيه الشّعوب حرّيّتها المنشودة والمستحَقّة، من المحيط إلى الخليج ومن البحر إلى النّهر.

نقول أنّنا رغم كلّ ما حصل نختار الأمل، لأنّنا كما قال محمود درويش:
“نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
ونسرق من دودة القزّ خيطًا لنبنيَ سماءً لنا ونُسيّج هذا الرّحيلا
ونَفتَح باب الحديقة كي يَخرج الياسمينُ إلى الطّرقات نهارًا جميلا
نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا”.