توزيع بديل، لا جمهور بديل

نشرة #9 :: أيلول 2023

منذ سنوات و”مشكلة التّوزيع” تحتلّ حيّزًا واسعًا من النّقاش في دوائر القطاع السّينمائيّ العربيّ؛ رغم معرفة الجميع بالمشكلة، يبدو أنّ لكلٍّ توصيفًا مختلفًا لها ينقصه تصوّر عمليّ للحلّ.

رغم بذل جهود كبيرة للتّصدّي للمشكلة في العقدين الماضيَين، يبدو أنّنا حتّى اللحظة لم نجد بعد الطّريق الصّحيح لحلّها. يبدو وكأنّ مهرجاناتنا وشاشاتنا المستقلّة وكلّ الجهود المضنية التي بذلناها لتوزيع الأفلام ضمن الدّوائر التّقليديّة لدور العرض، يبدو وكأنّها تحاول يائسةً أن تجد مساحة لها داخل النّماذج الحاليّة التي تعطّلت تمامًا بفعل الأزمات الأخيرة – والتي لم تحتضن يومًا أفلامنا.
لقد وجد العديد من المبادرات نجاحًا ما، لكن يبدو أنّنا في كلّ مرّة ومع كلّ نجاح، إنّما نعيد إنتاج “فقاعات” معزولة تصل بطبيعتها إلى الانفجار.

إنّما الهدف ابتداع أساليب توزيع بديلة عوضًا عن الجري خلف ابتداع جمهور بديل، متخصّص مصطفى!

لن نناقش في هذه اللّحظة موضوع صناعة الأفلام وإنتاجها، رغم أنّ النّقاش في جوهره واحد.
إنّ أحد أسباب المعاناة التي نعيشها في توزيع أفلامنا في المنطقة، إنّما يعود إلى معاناة هذه الأفلام نفسها في التّواصل مع مجتمعاتها. في السّياق نفسه فإنّ أحد أسباب صعوبة التّواصل مع الجمهور إنّما يعود إلى افتقارنا لبنية تحتيّة تصلنا به من جهة وتعيد من جهة أخرى ضخّ التّمويل في عروق الدّورة الإنتاجيّة – لنجد أنفسنا بالنّتيجة ندور في دوّامة من ديناميّات “المموّل والمنتج المشارك”.

ما الذي يمنعنا اليوم عن السّعي لابتداع مقاربة تختلف جذريًّا عن سابقاتها (وقد لا تكون جديدة تمامًا)، عوضًا عن تكرار محاولاتنا لإصلاح ما قد لا يمكن ربّما إصلاحه؟ ما الإمكانيّات التي تحملها التّجارب الحديثة لإعادة إنعاش المجتمعات الرّيفيّة والمراكز الثّقافيّة؟ ما الذي يمكن أن نتعلّمه من تاريخنا المفعم بالنّوادي السّينمائيّة في المنطقة؟ كيف يمكن لنا الاستفادة من كلّ مسرح متروك في مدرسة، من كلّ قاعة بلديّة فارغة وكلّ شاشة تلفزيونيّة في مجتمعاتنا المحلّية؟ ثمّ كيف نضمن في سعينا للاستفادة من كلّ هذا، التّعاون الصّادق مع هذه المجتمعات التي ننشد مخاطبتها وتنشد وجودنا؟

على مرّ السّنين حاولت “أفلامُنا” التّصدّي لمعالجة هذه المشاكل بوسائل عدّة مختلفة نعيد ضمن هذا النّص النّظر في العديد منها. نحن اليوم على استعداد تامّ لتجربة مقاربات تختلف جذريًّا عن سابقاتها. قد ننجح في ذلك أو نفشل، لكنّنا نودّ أن نتعرّف على كلّ من يحاول اعتماد وسائل جديدة أو يرغب في المحاولة، كلّ من يجد فيه استعدادًا للمخاطرة معنا، بالفشل … أو ربّما النّجاح.