عام 1999 كنّا مجموعة من صنّاع الأفلام وعشّاق السّينما في لبنان. صنعنا لأنفسنا تعاونية سينمائيّة سمّيناها بيروت دي سي، مساحة من التّضامن نروي من خلالها عطش تلك الحاجة الملحّة للإبداع وذاك الشّغف اللطيف بالسّينما. ساعدنا بعضنا على إنتاج أفلامنا وأعدنا اتّصالنا بالسّينما العربيّة المستقلّة من خلال مهرجان أيّام بيروت السّينمائيّة في محاولة لإيصال الأفلام العربيّة إلى جمهور يفتقدها. أعدنا الرّبط بيننا وبين السّينما وأتينا بالأفلام العربيّة إلى صالاتنا. لم نكن نملك يومها رؤية لما يمكن أن نصنع في المستقبل، كنّا نسير خلف حاجتنا وحاجة مجتمعنا للتّعبير كأحد وسائل إعلان الانتصار على الحرب.
تلك الأفلام التي لنا، نصنعها معًا، تروي حكايتنا نحن، تنهل من حياتنا وخيالنا وآمالنا. في عالم يدفع بعنف نحو التّفرقة والتّمييز والفرديّة المتوحّشة، تأتي “أفلامنا” لتجمع، ولتضيء على ما في هذه “النّحن” من جمال. “نحن” الجامعة التي لا تفرّق ولا تميّز وتنطلق من المنطقة العربيّة إلى العالم. نفتخر باسم “بيروت دي سي” التي تحتفل اليوم بعيدها الرّابع والعشرين ونعتزّ بما حقّقته ولا نتخّلى عنه، لكن علينا اليوم أن نترك الاسم لنختار آخر أكثر وسعًا من اسم مدينة، يشمل المنطقة العربيّة كلّها ويضمّ إلى صنّاع الأفلام جمهورهم الواسع والمنتشر في كلّ مكان.
أفلامنا تحمل الإرث بفخر وتسير في النّهج نفسه.
“أفلامنا” اليوم نتاج هذا الالتزام الذي أخذناه على أنفسنا عام 1999. التزام راح يتطوّر مع تطوّر حاجات الصّناعة السّينمائيّة يومًا بعد يوم وعامًا بعد آخر، مع ازدياد الشّح في الموارد وتعاظم الرّقابة على الإنتاج الإبداعيّ وتعقّد الوضع الأمني وارتفاع نسبة المخاطر التي تهدّد كلّ صوت حرّ في ظلّ ضيق المساحة المتاحة أمام سرديّاتنا وحصارها بسرديّات مشوّهة ومتطرّفة.
هكذا، مدفوعة بالحاجة والانتماء إلى ثقافة عربيّة واسعة ومتنوّعة وغنيّة، تعمل المؤسّسة اليوم على دعم أولئك الذين يقودهم الشّغف نفسه والذين يواجهون ما نواجهه وواجهناه من صعوبات على امتداد المنطقة العربيّة وخارجها.
اليوم، وبعد أكثر من عقدين من الزّمن وانطلاقًا من الكثير من التّجارب التي خضناها مع صنّاع الأفلام في منطقتنا العربيّة، نتابع التزامنا بدعم الإبداع السينمائيّ العربيّ المستقلّ عبر الدّفاع عن حريّة التّعبير والوقوف في وجه استبداد الرّقابة ودعم استقلاليّة صنّاع الأفلام في المنطقة العربية ومحاولة التّحسين من ظروف عملهم والتّخفيف من معاناتهم المادّيّة والمعنويّة علّنا نساهم في تثبيتهم في أرضهم وفي تطوير القطاع ليتّسع لكلّ أشكال التّنوّع الثّقافيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ.
نعمل من جهة على إتاحة الفرص أمام السّرديّات المهمّشة والمقموعة التي إن وصلت إلى جمهورها لساهمت في تغيير الواقع الاجتماعيّ، ومن جهة أخرى على تأمين الظروف التي تتيح لهذه السّرديّات التّأثير بمجتمعها اجتماعيًّا وسياسيًّا وبيئيًّا عبر خلق مساحة تشاركيّة للتّعاون بين الفيلم وبين المجتمع المدنيّ والجمهور.