نشرة #2 :: شباط 2022
في زحمة الانهيارات الكبرى، أو فلنقلْ في ظلّ تجلّي الانهيار في أوضح صوره، وفي ظلّ تهافت الكون على الجشع والأنانيّة والنزعات الفرديّة المتوحّشة ووسط زمنٍ قاتمِ السّواد، نجد أنّ لا خيار لنا إلّا التمسّك بما نملك من أمل.
قد يبدو الأمل للوهلة الأولى غير ذي قيمة، أو قد يوضع في خانة الماورائيّات، لكنّنا نقول إنّ للأمل وجهين:
وجه من إحباطٍ لا يصاحبه فعلٌ وهو بطبيعته قدريّ مستسلم، ووجهٌ من قدرة، ينطلق من المعرفة ويبنى على الفعل.
إن أردنا توصيف الوجه الثاني من وجْهَي الأمل في أبهى وأوضح صوره، نستعير صورة تلك الشّابّة المقدسيّة المغلولة اليدين، وهي تبتسم للكاميرا أثناء اقتيادها إلى سجون التّعذيب. هذا أملٌ من عِناد، قادرٌ وفاعلٌ وصلب.
لربّما استرسلنا قليلًا هنا ولكن لا بدّ من الاسترسال في وصف هذا “الشّعور” الغامض الذي “يحدونا”. هو أمل، رغم صلابته، يبقى حنونًا على ناسه وقد يرتفع بهم إلى مصافي العشق. هذا الأمل الذي نختار… نختار أن يحكمنا.
في رسالته، بمناسبة يوم المسرح العالميّ للعام 1996، قال الرّاحل سعد الله ونّوس:”إنّنا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التّاريخ”. ونحن إذ نستعير كلامه هذا ونسقطه على مجمل النّشاط الثّقافيّ، وبخاصّةٍ السينمائيّ منه نكرّر تمسّكنا بالأمل ونجدّد السّير في هداه، لأنّنا، في فعلنا اليوميّ، نحن وغيرنا الكثير من المؤسّسات الثقافيّة العربيّة، نرفض مقولة “نهاية التّاريخ”، ونعتبرها فاشيّة إلغائيّة بجوهرها.
نحن ندرك حجم الكارثة، ولا نصنع لأنفسنا أوهامًا غيبيّة، لكنّنا نعلم أنّ المخزون الثّقافيّ الهائل الذي تمتلكه مجتمعاتنا، قادرٌ بطبيعته على إبداع التّغيير متى توفّرت له بيئة تُحفِّز على الفعل. وهكذا نعمل على توفير بيئة كهذه، بيئة تحتاج كما يقول ونّوس في رسالته إلى “حوار متعدّد مركّب وشامل. حوار بين الأفراد وحوار بين الجماعات. ومن البديهيّ أنّ هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطيّة واحترام التعدديّة وكبح النزعة العدوانيّة عند الأفراد والأمم على السواء”.
نبني عملنا على العلم والمعرفة، ونتّكئ على الأمل، وندعو المبدعين أدبًا وفكرًا وفنًّا إلى تفعيل سبل التّعاون لأنّنا نؤمن بقدرتنا كمجتمعاتٍ على تخطّي الكارثة والعودة إلى المساهمة في مسيرة ارتقاء الإنسان. نحن اليوم أمام فرصةٍ ضخمةٍ للتقدّم، فانهيار النظم، ليس عندنا فحسب بل هو على امتداد المعمورة، يفتح المجال حرًّا أمام ابتداع التجديد.
للفنّ بعامّةٍ وللسينما بخاصّةٍ قدرة أكيدة على المساهمة الفاعلة في التّغيير. هذا إيماننا وهذا أملنا وهذا يقيننا ولكم منّا التزامنا المطلق بدعم السينما وصنّاعها لأنّنا كما قلنا، نرفض نهاية التّاريخ.
تاريخنا لم ينتهِ…
لم ينتهِ التاريخ!
جميع الحقوق محفوظة© 2024 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in
جميع الحقوق محفوظة© 2023 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in