نشرة #11 :: تشرين الثاني 2023
العزيز علاء،
كلّما جلسنا لنكتب لك، فشلنا!
كلّ تلك الأوراق الممزّقة إنّما تشعرنا بالخزي. بالخزي يا علاء، ذاك العار الذي ينهش الرّوح قبل العظم.
ماذا عسانا نكتب لك، أنت القابع في سجنك حرًّا ونحن السّجناء؟
نحن السّجناء يا علاء لأنّنا مهما فعلنا نشعر وكأنّا تخلّينا، كأنّا ولّينا عنك الوجه وتوارينا، خلف هموم تافهة وابتسامات كاذبة ووجوه ذابلة!
أنْ نسيرَ في شوارعنا المظلمة يا علاء، ترف. ترفٌ وأنت تدور بين أربعة جدران. أن نجلس على موائد الطّعام وأنت المضرب عنه، ترف. أن نبحث عن مستشفًى تأوينا وأنت تصارع أمراض سجنك، ترف. ترفٌ أن نكتب لك.
عفوك على كلّ هذا التّرف. حتّى دمعنا هذا، في اللحظة هذه، … ترف.
وضعتنا أمام المرآة يا علاء ننظر فيها كلّ صباح ولا نرانا. قوّتك تعلن ضعفنا.
بالأمس كانت مظاهرة تطلب حرّيّتك. بعضنا انضمّ إليها وبعضنا تردّد. ربّما لأنّه ينتظر تأشيرة دخول إلى مصر أو ربّما لأنّ الغيم كان يُنذر بمطر أو ربّما لأنّه فقد الأمل … أليس هذا الخزي بعينه؟
قل لنا يا علاء، من أين نأتي بالأمل؟
قل لنا من أين نأتي بالشّجاعة؟ شجاعتك.
ها نحن هنا نصنع أفلامًا ونكتب مقالًا ونقرأ شعرًا ونفرح لجائزة ونخيب لأخرى ونحتفل بمهرجان ونقاطع آخر ونشارك بمظاهرة وننظّم أخرى ونشارك بانتفاضة ونهرب من أخرى، وأنت، هناك، لا تملك قلمًا. عفوك لأنّا مازلنا نفشل، ما زلنا نقف أمام عناد سجّانك عاجزين.
علاء، ليس في مرآتنا … إلّاك.
وجهك يطاردنا. ابتسامتك تدمينا.
ووقوف أمّك أمام سجنك.
وصوت سناء يناديك للحياة.
وحزنها وحزنك.
هنّ الأحرار ونحن السّجناء.
أنتم الأحرار يا علاء، أنت وكلّ معتقلي الرّأي أينما كانوا، أنتم الأحرار ونحن السّجناء.
بالأمس تذكّرناك لمّا لم نجد ماءً يغسل تعبنا. تذمّرنا. تمرّدنا. انتفضنا ثمّ تذكّرناك. رأيناك في مرآتنا فخجلنا. من ضعفنا. أمام جبروتك. رأيناك تسقط في حمّام السّجن وروحك تكاد تنطفئ. تخيّلناهم يضعون الماء في عروقك رغمًا عنّا وعنك.
علاء، إن كنت لا تعلم، فاعلم، أنت المرآة التي لا تطاق. أنت الشّجاع ونحن الجبناء. إعلمْ أنّك في ليلٍ أصبحتَ نجمتنا وخيمتنا وأملنا وشجاعتنا، نقيس ما نفعل بميزان فعلك. نعرف أنّك لم تطلب مسؤوليّةً كهذه. نحن من يطلب، من أرواحنا، من فكرنا وفعلنا، من كلّ حلمنا وخيالنا، نطلب من عيشنا أن يرتقي ليلاقيك. قد لا نملك أن نُجبِر السّجّان على تحريرك ولكنّنا نملك حتمًا أن نُبصر الكون بعينيك، حرًّا جميلًا عادلًا واسعًا جامعًا. كما تريده. كما تراه. من أجلك. من أجل ابنك. من أجل عائلتك. من أجلنا. من أجل كلّ معتقلي الرّأي بين الخليج والمحيط وخلفه، من أجل شجاعتهم وصمودهم وعنادهم المُشرق، من أجل مصر والعالم العربيّ وهذا الكوكب الأزرق الصّغير…
لك السّلام يا علاء،
والثّناء والسّناء والدّعاء والرّجاء والضّياء وكلّ الأرض والسماء، لك.
دمت حرًّا ولا بدّ أن نلتقي.
جميع الحقوق محفوظة© 2024 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in
جميع الحقوق محفوظة© 2023 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in