بانكسي 2005، لوحة “عيد الميلاد”

عام عادل للجميع

نشرة #12 :: كانون الثاني 2023

ها هو عام آخر يمرّ مفعمًا بالأحداث التي تستنسخ نفسها كلّ عام. لم يختلف شيء هذه السّنة، حروب ونزاعات تلفّ الكوكب وهجرات مستمرّة وجوع في أجزاء من المعمورة وتخمة وترف في أجزاء أخرى وعنصريّة تزدهر وفاشيّة تعود وذكوريّة تتجبّر واحتلال يتوحّش. لعلّ الفارق الوحيد هذا العام ومع نهايته كان كأس العالم لكرة القدم الذي أقيم في دولة قطر!

مرّة أخرى تسرق كرة القدم كلّ الأضواء. ساحرة هي تلك اللّعبة، تأخذ عشّاقها مع كلّ منافسة في رحلة تسرق العقول وتشعل العواطف، تلك المرتبطة مباشرة بغريزة الإنسان القابعة في أقدم تكاوين الدّماغ البشريّ. هي ربّما تلك النّزعة للتّفوّق أو ذاك الدّافع العميق للانتماء أو تلك الرّغبة بإنجازٍ ما لهويّة ما وكلّها يقودها الطّبع التّنافسيّ الذي يحكم حياة الإنسان منذ ولادته.
من منّا لم يصرخ فرحًا لهدف حقّقه الفريق المغربيّ مثلًا أو خيبةً لآخر تلقّاه؟ من منّا لم تتسارع دقّات قلبه كلّما رُفع علم فلسطين في أرض الملعب؟ ساحرة هي تلك اللعبة ويمكن لها أن تختزل كلّ صراعات الكوكب في كرة!

فيما الأرجل تتناقل الكرة والشّاشات تنقل كلّ تفصيل، انسحب البشر من عالم الواقع إلى عالم السّحر، نسي النّاس همومهم اليوميّة الصّغرى وهموم القضايا الإنسانيّة الكبرى، لكنّ الحياة استمرّت، كما هي، من أقصى الشّرق إلى أقصى الغرب مرورًا طبعًا بفلسطين. هناك استغلّ الجلّاد انشغال البشر باللعبة وأمعن في توحّشه. حاصر وقتل وهدم وفجّر وأظهر طينته كما هي دونما أيّ قناع. لم يكن هناك من يشاهد. يعرف العقل الاستعماريّ كيف يستغلّ كلّ شيء لمصلحته. الإلهاء أداته الأقوى!
على أيّ حال، فازت الأرجنتين بالأمس بالمنافسة واحتفل البعض وبكى البعض الآخر وعاد الناس إلى واقعهم اليوميّ ونحن مازلنا نسعى سعينا ونناصب جهدنا ولم نتوقّف لحظة عن ذلك.

في هذا العام الجديد القادم، نتمسّك بالقيم التي تقود عملنا وتنير طريقنا وهي راسخة وشاملة، لا ننتقي منها ما يناسبنا أو نتجاهل ما قد يضرّنا.
في هذا العام الجديد القادم، دمتم ودمنا أحرارًا.
ولكم ولنا وللكوكب السّلام والعدل وكلّ الجمال.