ياسر مرتجى ورشدي السّرّاج
نشرة #1 :: شباط 2024
نور وياسر ورشدي،
ثلاثة تلاقت أحلامهم في شوارع غزّة.
لنور الغصين حلم إتمام الدّراسة في العلوم التّجاريّة لتساعد على بناء الاقتصاد الفلسطينيّ كما تقول بإصرار. بدأت رحلة شاقّة عندما تلقّت رسالة من جامعة أميركيّة تعلمها بنيلها منحة دراسيّة كاملة على أن تلتحق بالصّفوف في أقرب فصل. تكاد نور أن تلمس حلمها بيديها، لا يقف بينها وبين تحقيقيه إلّا معبران يحكمان مرور الأفراد في غزّة. واحد إلى مصر وآخر إلى باقي الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ومنهما إلى عالم واسع لم ترَ نور منه إلّا ما تيسّر لها في الصّور. الخروج من غزّة ليس بأمر سهل، تحكمه سلطتان، مصريّة وإسرائيليّة محتلّة. بين المعابر، حياة أخرى. تقول نور في سعيها خلف المعرفة: “شعرت بإنّني أحمل على كتفيّ مسؤوليّة. أنّ أحقّق شيئًا لنفسي ولعائلتي ولبلدي”.
لياسر مرتجى حلم يتجلّى واضحًا في تغطيته الصّحفيّة كما في منشوراته على وسائل التّواصل الاجتماعيّ؛ أراد كغيره من الفلسطينيّين في غزّة أن يسافر حول العالم، كسرًا ربّما لحصار الرّوح الذي يفرضه الاحتلال على أكثر من مليونين من السّكّان. في آذار من العام 2018 ذيّل ياسر صورة التقطها لميناء غزّة بكلمات حالمة قال فيها: ” أتمنّى أن يأتي اليوم الذي يمكنني فيه التقاط هذه الصّورة من السّماء بدلاً من الأرض! إسمي ياسر وعمري 30 عامًا، أعيش في مدينة غزّة ولم أرحل عنها قطّ في حياتي”.
لرشدي السّرّاج هو الآخر، أحلام وطموحات. كما نور وياسر نسج رشدي علاقة عشق مع غزّة وناسها وراح يعبّر عنها في عمله كصحفيّ ومصوّر. بعين طائرته المسيّرة الصّغيرة، راقب غزّة من السّماء مرسلًا لها في كلّ صورة جمالًا يُشبهها. همّ إسماع صوت المدينة في أرجاء العالم، يحرّك عدسته ويقودها. كتب رشدي على صفحته على فايسبوك في 13 من تشرين الأوّل من العام الماضي: “لن نرحل ..وسنخرج من غزّة.. إلى السّماء وإلى السّماء فقط”.
في شوارع المدينة المحاصرة أرضًا وسماءً وبحرًا، شاءت الحياة أن تتلاقى الأحلام. بنى الصّحفيّان صداقة متينة حاكها عشقهما للحقيقة. أسّسا معًا وبالشّراكة مع آخرين، مؤسّسة عين ميديا ومن خلالها حملا غزّة إلى العالم. جمعتهما الصّدفة والصّداقة بنور فصوّرا عام 2018 فيلمًا وثائقيًّا يروي رحلاتها بين معابر الحصار في محاولتها الالتحاق بالدّراسة في الولايات المتّحدة. بعد سنة من الأمل والخيبة، خرجت نور إلى العالم (وهي لا تعلم إن كان سيُسمح لها بالعودة إلى أرضها) وخرج الفيلم إلى النّور (تعرض منصّة أفلامنا الفيلم من 7 إلى 20 آذار).
خرجت نور إلى حلمها… وخرج المخرجان “إلى السّماء”.
قتل قنّاصة الاحتلال ياسر في الساّدس من نيسان 2018 خلال تغطيته لمسيرات العودة شرق خان يونس! اخترقت الرصّاصة كبده متجاهلة سترته الواقيّة المذيّلة بشعار الصّحافة. لم يرَ ياسر فيلمه منجزًا. أكمل رشدي الطّريق. أنهى العمل على مونتاج الفيلم تكريمًا لزميله وصديق عمره.
في العدوان الحاليّ على غزّة، في 22 تشرين الأوّل قتلت صواريخ الاحتلال رشدي في قصف دمّر منزل والده. لم يعش رشدي ليرى ابنته تبلغ العام الأوّل من عمرها. لم يخرج من غزّة إلّا إلى السّماء.
فيما نحضّر لعرض فيلم المخرجَين الشّهيدين “بين معبرين” وجدنا أنفسنا نقف أمام المرآة نواجه حقيقتنا!
ليس حصار المعابر جديدًا على غزّة، فالقطاع محاصر منذ أكثر من 17 عامًا عمل فيها الاحتلال جاهدًا على تجويع أهله ببطء علّهم يغادرون دون عودة. ليس القتل اليوميّ للفلسطينيّين جديدًا على فلسطين وعلينا، فالإبادة انطلقت أعوامًا قبل إعلان دولة الاحتلال عام 1948. الفرق الوحيد اليوم أنّ التّجويع والقتل تكثّفا في فترة زمنيّة قصيرة. هو تكثّف حدّ الانفجار! قاسية هي تلك المرآة، تصرخ في وجهنا: ماذا تفعلون لفلسطين؟ ماذا تقدّمون لأهلها؟
لا نعتقد أنّ ما تختزنه شعوبنا من تاريخ وعاطفة قد يسمح بنسيان فلسطين، لكنّنا اليوم ندرك أنّنا لا بدّ أن نخرج من حال ردّة الفعل إلى حال الإبداع المبنيّ على المعرفة لكي ننجح في استرجاع ما فقدناه من روح، فلسطين.
إنْ لم نخرج من الإبادة برؤية للأفق البعيد، رؤية تبني الطّريق خطوة بعد خطوة نحو التّحرّر من الاستعمار، فإنّنا نستسلم لردّة الفعل العاطفيّة التي قد تنقلب علينا مزيدًا من الموت. العاطفة تشعلها اللحظة ويميتها الوقت.
من الأسلحة التي يستعملها الاستعمار في الإبادة سلاح السّرديّة. هو يستخدم كلّ ما يملك في التّرويج لسرديّته القاتلة، وإن تطلّب الأمر منه قتل رواة سرديّة الحقّ، فسيفعل دون تردّد. لهذا السّبب قتل ياسر ورشدي وغيرهما المئات من الإعلاميّين والرّواة والمفكّرين الفلسطينيّين ( أكثر من 120 من الصّحفيّين في العدوان على غزّة اليوم). هل ننسى غسّان كنفاني مثالًا صارخًا على ذلك؟
في مواجهة اغتيال سرديّة الحقّ، لا بدّ من توجيه كل التّفكير والجهد نحو ابتداع وسائل تدعم سرديّتنا وتحميها وتنشرها.
كي لا يصبح المعبر الوحيد معبرًا إلى السّماء.
لقاء مع محمود أبو غلوة
حول ياسر مرتجى ورشدي السرّاج و”بَيْنَ مَعْبَرَيْن”
تُحاوره رشا صلاح
محمود أبو غلوة صانع أفلام وكاتب سيناريو ومولّف فيلم “بَيْنَ مَعْبَرَيْن”، يحدثّنا عن أصدقائه ياسر ورشدي، وعن رحلة الفيلم وعمله والمصاعب التي يعيشها هو وكافّة الشعب الفلسطيني في غزّة تحت حصار الاحتلال الاسرائيلي.
جميع الحقوق محفوظة© 2024 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in
جميع الحقوق محفوظة© 2023 AFLAMUNA | تم تطويره من قبل Beirut in