النّقابة الرّقابة

نشرة #4 :: نيسان 2023

في السّابع عشر من آذار 2023، طالعنا مجلس نقابة المحامين في بيروت بقرار غريب!
بينما النّاس تعاني من تداعيات الانهيار الاقتصاديّ الكبير في لبنان وفيما تكاد كلّ مؤسّسات الدّولة تتوقّف عن العمل وتعمّ الإضرابات والاضطرابات وتُسرق أموال المواطنين من مصارفهم وجيوبهم وبينما نحن بأمسّ الحاجة لكلّ صوت مستنير يدافع عن النّاس وعيشهم، قرّر مجلس النّقابة تعديل بعض أحكام نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين! قرّر المجلس الكريم تقييد حرّيّة المحامين في الاشتراك في النّقاشات القانونيّة العامّة من غير الحصول على موافقة النّقيب، مبقيًا لهم الحرّيّة التّامّة في مناقشة القضايا السّياسيّة والثّقافيّة والرّياضيّة وما إلى هنالك من أمور. أمَرَ مجلس النّقابة بذلك من دون استشارة أيّ من المحامين وعلى غفلة منهم ومن دون العودة إلى جمعيّتهم العموميّة.
لم يكتفِ المجلس بذلك، فقد ارتأى أن يختصر الوقت ويسترسل قليلًا في قرارات المنع فذهب في اتّجاه تقييد حرّيّة المحامين في انتقاد النّقيب وأعضاء النّقابة وزملائهم وبخاصّة في فترة الانتخابات النّقابيّة.
كان مجلس النّقابة قد بدأ رحلة تقييد حرّيّة المحامين عام 2011 إذ منعهم منعًا مُطلقًا من التّداول في القضايا العالقة أمام القضاء في وسائل الإعلام والاتّصالات مع استثناء القضايا الكبرى وربط مناقشتها من قبل أيّ محامٍ بموافقة النّقيب. القرار الأخير هو توسعة لقرار العام 2011 مع منح النّقيب صلاحيّات “رقيب”، وكأنّ النّاس لا يكفيها رقابة الدّولة على أنفاسها! بصريح العبارة، لا يمكننا إلّا أن نضع قرار مجلس النّقابة في خانة الدّفاع عن مصالح التّحالف الحاكم، أي تحالف الزّعامات السّياسيّة مع المصارف.

لطالما هبّ المحامون للدّفاع عن قضايانا في لبنان ومصر وتونس وغيرها من البلدان العربيّة. يبرز دورهم في السّنوات الأخيرة في لبنان مع انطلاق حراك العام 2015 مرورًا بانتفاضة تشرين من العام 2019 والدّفاع عن حقوق المودعين في وجه المصارف وصولًا إلى قضيّة انفجار مرفأ بيروت وغيرها من القضايا في السّياسة والاقتصاد والاجتماع والقضاء وغيرها.
لطالما لعب النّضال النّقابيّ في لبنان، منذ الاستعمار الفرنسيّ مرورًا بالاستقلال وما أتى بعده من حراكات حقوقيّة عمّاليّة امتدّت لسنوات، دورًا كبيرًا في الدّفاع عن المجتمع والعمّال وتطوير القوانين خدمةً للعدل والمساواة بين النّاس. لطالما وقفت النّقابات في وجه السّلطة الفاسدة قبل أن تشنّ هذه السّلطة حربها على الحركة النّقابيّة وتفتّتها سنة بعد سنة منذ نهاية الحرب الأهليّة وحتّى اليوم. فتّتت السّلطة الاتّحاد العمّاليّ العامّ وشرذمت نقاباته وابتدعت أخرى تتبع لها بالكامل وجنّدت لتنفيذ هذه السّياسة عدّة وزراء توّلوا وزارة العمل وتعاقبوا على تدمير الاتّحاد العمّالي حتّى حوّلوه إلى أشلاء.

في زمن نحتاج فيه لإعادة بناء الحركة النّقابيّة في لبنان ولنقابة محامين تقف إلى جانب حقوق النّاس، ندين قرار مجلس النّقابة ونرى فيه تماهيًا مع مصالح السّلطة الحاكمة وتنفيذًا لسياساتها في القمع والرّقابة والتّجهيل. نكرّر ما أعلنه المحامي نزار صاغيّة إثر استدعائه للمثول أمام مجلس النّقابة لرفضه الامتثال لقراراته: “خُيِّرت بين مهنتي وبين الحرّيّة فاخترت أن أكون محاميًا حرًّا”.
نقف مع المحامين الأحرار وندعو لأوسع تضامن معهم علّنا نساهم في حماية ما تبقّى من حرّيّات.
نقف مع أصوات أولئك الذين ولدتهم أمّهاتهم أحرارًا أينما كانوا، عمّالًا وفلّاحين ومنتجين أدبًا وفكرًا وفنًّا.